منتديات وميض النجـم اللامـع
أهــلا" وسهــلا" ومرحـبــا" بـك زائـرنـــا الكــريــم

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات وميض النجـم اللامـع
أهــلا" وسهــلا" ومرحـبــا" بـك زائـرنـــا الكــريــم
منتديات وميض النجـم اللامـع
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

رسالة المسلم في حقبة العولمة

3 مشترك

اذهب الى الأسفل

رسالة المسلم في حقبة العولمة  Empty رسالة المسلم في حقبة العولمة

مُساهمة من طرف عمر المختار الخميس 20 يناير 2011 - 2:54

رسالة المسلم في حقبة العولمة


مشاركة أ.د ناصر بن سليمان العمر
المشرف العام على موقع المسلم
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
ضمن الأوراق المقدمة إلى
مركز الدراسات الإسلامية بقطر
والتابع لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية
وكان تحريره في ربيع أول/1424



بسم الله الرحمن الرحيم


رسالة المسلم في حقبة العولمة


أولاً: توطئة
العولمة لفظ مأخوذ من (عالَم)، وكما أن الناس اختلفوا فيها ما بين مندد ومسدد، فقد اختلفوا كذلك في تعريفها، ولكن يكاد يتفق الجميع على حد أدنى، وهو اصطباغ عالم الأرض بصبغة واحدة شاملة لجميع من يعيش فيه، وتوحيد أنشطتهم الاقتصادية والاجتماعية والفكرية من غير اعتبار لاختلاف الأديان والثقافات، والخطريات والأعراق .
فمهما تعدّدت السياقات التي ترد فيها (العولمة)، فإن المفهوم الذي يعبّر عنه الجميع، في اللغات الحيّة كافة، هو الاِتجاه نحو السيطرة على العالم وجعله في نسق واحد. ومن هنا جاء قرار مجمع اللغة العربية بالقاهرة بإجازة استعمال العولمة بمعنى جعل الشيء عالمياً.
وكل هذا لا يخرج عن اعتبار العولمة -في دلالتها اللغوية أولاً- هي جعل الشيء عالمياً، بما يعني ذلك من جعل العالم كلِّه وكأنه في منظومة واحدة متكاملة. وهذا هو المعنى الذي حدّده المفكرون باللغات الأوروبية للعولمة Globalization في الإنجليزية والألمانية، وعبروا عن ذلك بالفرنسية بمصطلح Mondialisation، ووضعت كلمة (العولمة) في اللغة العربية مقابلاً حديثاً للدلالة على هذا المفهوم الجديد .
وتظهر مشكلة العولمة في هذا التعريف، فطالما أن الأعراق متنوعة، والثقافات متعددة، والأديان مختلفة، والأهواء متباينة، فمن يحكم هذه الصبغة الواحدة؟ من يضع ضوابطها ويحدد قوانينها؟ ثم كيف يلزم تاجر صغير كان يعيش في أرضه آمناً في سربه، عنده قوت يومه، بمزاحمة غيره من العمالقة له في أرضه؟ وإذا كان هذا محتملاً لكون العصفور يرزق مع النسر، وتلك الطير تغدوا خماصاً وتروح بطاناً؟ فبأي مبرر تلغى عادات الناس وأنماطهم الاجتماعية؟ ومن الذي يضع الصبغة الجديدة للوحدة الاجتماعية؟ وكيف ألزم بلايين البشر بغسل أدمغتهم، وتنظيفها من فكرهم الأصيل لآخر دخيل؟

ولهذه الإشكالات وغيرها كان من الطبيعي أن يكون في المجتمعات الإسلامية والعربية شبه إجماع بين أطراف الرأي العام السياسي فيها، ماركسيهم وقوميهم وإسلاميهم يقول بأن العولمة، بالموجهات الرئيسة التي تحركها، لا تتضمن أي جديد بل هي شكل من الاستعمار لا تختلف في أهدافها عن أهداف الموجات الاستعمارية السابقة. فلا يمكن لرأس المال المهيمن، وللشركات العملاقة المتعددة الخطريات أن تنـزع نحو أهداف أخرى غير السيطرة على الأسواق وغزو موارد الكوكب واستغلال العمل المأجور والرخيص أنّى وجد. والفرق بين المشروعين الاستعماريين، القديم والجديد، هو أن المشروع الجديد يحتاج إلى التأقلم مع الظروف العالمية التاريخية المتغيرة، أي صعود هيمنة الولايات المتحدة الأحادية على العالم، وتحويل حلف شمال الأطلسي إلى التحالف العسكري السياسي الوحيد في العالم، وفي خدمة مجموعة صغيرة من الدول الصناعية• كما أن الاستعمار الجديد يستخدم خطابا للمشروعية يشدد على قيم نشر الديمقراطية واحترام حقوق الشعوب بدل الخطاب الذي حرك قوى الاستعمار الأسبق الذي ركز بشكل رئيس على قيم تمدين الشعوب الهمجية، أعني كل الشعوب غير الأوربية، وتحضيرها أو إدخالها في الحضارة الفعلية• ولئن كانت للاستعمار الأول أشكال تدخله العسكرية، فإن الاستعمار الجديد يعمد إلى أساليب جديدة، لا تقل فعالية عن السابقة على الرغم من أنها اتسمت بقسط أكبر من الأغطية القانونية• فالتدخل العسكري الانفرادي والمكشوف للدول الاستعمارية قد ترك مكانه حتى الحادي عشر من سبتمبر عام ألفين وواحد.
يقول توماس فريدمان مقرراً أن العولمة الحالية نوع من الهيمنة الأمريكية: "خلال التسعينات، أصبحت أميركا وبشكل جلي الأكثر قوة -اقتصاديا وعسكريا وتقنيا- من أية دولة أخرى في العالم، إذا لم يكن في تاريخ البشرية. وقد حدث ذلك، إلى حد كبير، بسبب انهيار الإمبراطورية السوفيتية، وتحول العالم إلى البديل الرأسمالي المتمثل في اقتصاد السوق الحر، وما صاحب ذلك من ثورة تقنية الإنترنت في أميركا. كل ذلك أدى إلى هيمنة شديدة لقوة الولايات المتحدة وأفكارها الثقافية والاقتصادية المتعلقة بكيفية تنظيم أمور المجتمع، هيمنة ظهرت بجلاء من خلال العولمة، إلى درجة أن أميركا بدأت بالتأثير على حياة البشر في أنحاء المعمورة، بطريقة فاقت حتى تأثير الحكومات على شعوبها، كما قال لي دبلوماسي باكستاني ذات يوم.
أجل، لقد بدأنا بالتأثير على حياة الشعوب -بشكل مباشر أو غير مباشر- وبدرجة تفوق تأثير حكومات تلك الشعوب" .


ثانياً: العولمة والسنن
كان الناس في عصرهم الأول نموذجاً مثالياً لعولمة حضارية، وحدة على مستوى البشرية جمعاء؛ فكرية ثقافية، سياسية، اقتصادية، وكان ذلك وفقاً لمنهج الله الذي جاءت به الرسل، ونزلت به الكتب، ثم جاءت الأذواق والأهواء بعجرها وبجرها، فحاولت جبابرة القرون -جيلاً بعد جيل- رفض الكتاب الذي أنزل ليقوم الناس بالقسط، موظفةً الحديد والنار في محاولات شتى لفرض أضرب من "العولمة" بل لفرض نفوسهم ونفوذهم على العالمين، (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلاّ الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغياً بينهم) ، (وما كان الناس إلاّ أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون) .

إن إرادة الله الكونية اقتضت وجود الخلق، ومشيئته الشرعية اقتضت توحدهم على منهج الحق كما قال سبحانه: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم  وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون) ولكن خالفت الإرادة الكونية المشيئة الشرعية (فتقطعوا أمرهم بينهمخطاراً كل حزب بما لديهم فرحون) ، "أي يفرحون بما هم فيه من الضلال لأنهم يحسبون أنهم مهتدون" .

فاقتضت حكمته –سبحانه وتعالى- وجود الخير والشر في هذا الكون (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) ، (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين  إلاّ من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) ، (هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير) ، (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ  وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن ُيدْخِلُ مَن يَشَاء فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) .
وكما اقتضت حكمته وجود الخير والشر، جرت سنته بدوام التدافع بينهما، فقد جعل الله الأيام دولاً، (ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين) ، (.. ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز) ، (وتلك الأيام نداولها بين الناس) .

غير أن العاقبة للتقوى، فصاحب الحق يجب عليه أن يستعين بالله ويصبر، فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون  إن في هذا لبلاغاً لقوم عابدين  وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين) .

فالناس من حيث المآل فريقان، فريق في الجنة وفريق في السعير، وعلى الأعراف فريق ثالث مآله إما إلى جنة أو إلى نار، فالمحصلة فريقان.
أما في الدنيا فصراع أهل الحق مع أهل الباطل مستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وإلى أن يرسل الله ريحاً تقبض أرواح المؤمنين فلا يبقى في أرض الله من يقول الله الله، وعندها تقوم الساعة على شرار خلق الله.

كما أن أهل الباطل طوائف مختلفة ولكن مآلها واحداً، تجمعهم أهواء وأهداف مصالحهم الضيقة، فيتداعون لحرب من يعارضهم من أهل الحق، كما أخبر صلى الله عليه وسلم (توشك أن تداعى عليكم الأمم كما تدعى الأكلة على قصعتها)، ولكن هم مع ذلك طرائق قدداً، تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى.

ولما كان الناس كذلك، فقد راعت شريعة الإسلام العالمية هذه السنة الكونية، فجاءت تشريعات الإسلام معتبرة للفروق بين ما يجب التفريق فيه كالأديان، فأصحابها بين متبع للباطل ومتبع للحق، فهم متباينون، ومن الجور التسوية بين المتباينين، و لا يمكن أن يسمى هذا عدلاً.
وجاءت كذلك ملغية للتفرقة فيما تلزم المساواة فيه، كالتفريق بين الناس على أساس الأعراق بينما هم كلهم لآدم وآدم من تراب.
أما النظام العالمي الأمريكي فله حقيقة ودعوى تجاه هذه المسألة:
أما حقيقته، فهي فرض للهيمنة الثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية للدولة الأقوى،على كافة الشعوب والمجتمعات، وهو شكل جديد من أشكال الاستعمار كما سبق، وقد اعترف بنحو هذا بعض الأمريكيين كالكاتب الصحفي (توماس فريدمان).

أما دعواه فهي زعم أن النظام العالمي الجديد قائم على عدم التفريق بين الناس على أي أساس، سواءً أكان ديناً أو عرقاً، رجلاً أو امرأة أو غير ذلك، فلا فرق البتة، ولست هنا في مقام مناقشة تفصيلية لهذه الفكرة.
ولكن يكفي القول بأن العدل هو التسوية بين المتساويين والتفريق بين المختلفين، وإن إلزام المختلفين بفعل واحد أو سلوك طريق بعينه سيكون مجحفاً في حق بعضهم.
كما أن اعتبار الفروق لامناص منه، والواقع التطبيقي العملي الفعلي اضطر هؤلاء لاعتبار بعض الفروق، فعلى سبيل المثال، لماذا يمنع غير الأمريكي مثلاً من الترشح لحكم أمريكا؟ أليست المساواة تقتضي جواز ترشح أي إنسان سواء جاء من إحدى الولايات أو جاء من إحدى القارات؟ كذلك لماذا يمنع من كان دون سن معينة من الترشح؟ ومع ذلك لم نر أحداً خرج يطالب بحقوق الشباب! إذاً فلابد من ضوابط ومحددات، وهذه المحددات هو ما يرفض العالم أن تكون أمريكا هي صانعتها، وبخاصة في بلداننا.
وأخيراً أشير إلى فشل هذا النظام في إلغاء هذه الفوارق حتى بين مصدريه من أبناء الملة الواحدة، فهذه بريطانيا تعيش ردحاً من الزمن أزمة سياسية ثقافية اجتماعية عجزت أن توحد فيها بين رؤى الجيش الأيرلندي الكاثوليكي الذي يسعى للانفصال، وبين الوحدويون البروتستانت، ومازلنا نسمع بين الفينة والأخرى نبأ انفجار عبوة وضعها متطرفون بروتستانت، أو مقتل بروتستانتي برصاص كاثوليكي أو اشتباكات بين كاثوليك وبروتستانت، كل ذلك في الدولة التي تعد الحليف الأول لراعية العولمة الجديدة!
وقل مثل ذلك عن الجيش الأحمر الياباني الوثني، وجيش التحرير الكوبي الشيوعي.
وكم من مرشح غربي فاز في الانتخابات العامة بسبب برنامجه الاقتصادي الإصلاحي!
وبعد ذلك يريد النظام العالمي الجديد أن يقنعنا بإمكانية إلغاء سنة كونية لن تنتهي إلاّ بنهاية هذه الدنيا.

ثالثاً: مجالات العولمة
أولاً: العولمة الاقتصادية.
يتحدث الناس عن مجالات مختلفة للعولمة، منها الاقتصادي، ومنها الثقافي، ومنها الإعلامي، ومنها السياسي، ومنها العسكري، وغير ذلك.
وهذه لمجالات متداخلة فيما بينها، يصعب فصلها، غير أن الثلاثة الأولى هي مفاتيح أنماط العولمة الأخرى وأهم آلاتها، فالاقتصاد والثقافة والإعلام، هي التي تصنع المجتمعات فالسياسات وما يتبعها. فلهذا ولأن تفصيل الحديث عن أنماط العولمة المختلفة يحتاج إلى جهد وبسط ربما طال أمده، أكتفي في هذه الدراسة بالإشارة إلى الأنماط أو المجالات الرئيسة للعولمة.
الأسئلة التي سبق طرحها يعاد طرحها مرة أخرى لفهم المشكلة الاقتصادية، فطالما أن الأعراق متنوعة، والثقافات متعددة، والأديان مختلفة، والأهواء متباينة، فمن يحكم هذه الصبغة الواحدة؟ من يضع ضوابطها ويحدد قوانينها؟
ولأن هذا نذر يسير من الأسئلة والإشكالات، فلا عجب أن تشهد (براغ) عنفاً لم تشهد مثله منذ قرون! فقد انقلبت العاصمة التشيكية في سبتمبر من عام ألفين رأساً على عقب، ففي اليوم السادس والعشرين تلقى عشرات الآلاف، بل مئات الآلاف من خلال شبكة الإنترنت رسالة تحدد موعداً للقيام بتحرك في مدينة (براغ) التشيكية، وتطالب الرسالة أولئك الذين تلقوها، بالحضور في الموعد المحدد من أجل المساهمة في التظاهر ضد العولمة والرأسمالية العالمية. للاحتجاج على الشركات والمؤسسات الكبرى التي أصبحت تتحكم بمصائر العالم من خلال تزايد نفوذها اكثر فأكثر وما يتبع ذلك من آثار مأساوية على العديد من شعوب العالم وخاصة الفقيرة منها المستثناة عملياً من دورة المناقصة التجارية.
وقد تم اختيار الموعد على ضوء انعقاد المؤتمر السنوي لصندوق النقد والبنك الدوليين في مدينة (براغ) نفسها، ومما يلفت النظر أن الدعوة وجهت خطاباً خاصاً لمن سبق له التظاهر ضد العولمة في (سياتل) و(ملبورن) و(لندن).
ويرى بعض الغربيين: أن العولمة الرأسمالية والحركات النقابية والعمالية والاجتماعية المضادة لها سيكون بينهما صراع كبير في القرن الحادي والعشرين، وقد ابتدأ بالفعل هذا الصراع في مطلع القرن الحادي والعشرين في مدينة (سياتل) بأمريكا –معقل فكرة العولمة- عام (1999). فمؤتمر (سياتل) الذي اجتمعت فيه معظم الحركات والمنظمات المضادة للعولمة استطاع أن يكشف مؤتمر التجارة العالمية الذي يضم قادة العالم الرأسمالي .

إذاً فمناهضة العولمة حركة عالمية لا تخضع لأيديولوجية معينة بمعنى أنها ليست محصورة في إيديولوجيا كالماركسية مثلاً وهذا ما كان يحصل للحركات النقابية العمالية سابقاً، بل هي حركة تتجاوز القوميات والأقطار وتعمل لصالح العمال والفلاحين والمضطهدين في شتى أنحاء العالم، كما يزعم أنصارها.
وهدف هذا الطيف المتباين وهو: محاربة الليبرالية أو الرأسمالية الجديدة بل قل العالمية الجديدة، التي تريد أن تلغي الآخر وتحكم للأقوى بالسيادة والبقاء، ولذا يرى كثير ممن لا تجمعهم أيديولوجية أن العولمة آفة متوحشة تحتقر الإنسان والفقراء و المهمشين والعاطلين عن العمل، سواء كان ذلك على نطاق الدول الرأسمالية ذاتها أو على نطاق دول العالم الثالث، فإنها تؤدي إلى كم من المآسي في نهاية المطاف.
وهذه الحركة الجديدة المضادة للعولمة الرأسمالية ليست أحادية الجانب وليست متفقة بالضرورة على كل شيء بل كما يقول بعض دعاتها: "إنها ليست حزبا نمطيا ببغائيا يقول نفس الشيء عن كل شيء على الطريقة الشيوعية السابقة، ومن يتأمل حالها يجد فيها كل الاتجاهات: من أحزاب الخضر المدافعة عن البيئة، إلى الأحزاب الاشتراكية، فالحركات السلمية فالحركات الإنسانية، فحركات تحرر المرأة، وغيرها" .
بعضها يتعاون فيما بينه، وبعضها يعمل مستقلاً لتحقيق نفس الهدف.
وكما أن الأيديولوجيات المناهضة للعولمة مختلفة، فإن الاستراتيجيات التي اعتمدتها الجهات المناضلة مختلفة، فبعضهم يتبع استراتيجية عنيفة إلى حد ما، كما فعل النقابيون الفرنسيون الذين هجموا على المطاعم الأميركية في بعض مناطق فرنسا، وكان ذلك بقيادة (جوزيه بوفيه) ليصبح بذلك المناضل المعروف في الوقت الحاضر!
ومن الطريف أن الرجل عندما قدم للمحاكمة في شهر يونيو من عام ألفين بتهمة تخريبه لأحد مطاعم (ماكدونالدز) تجمع في فرنسا نحواً من 40 ألف شخص للاحتجاج على تقديمه للمحاكمة.

فقد كان هدفه وهدف من معه ظاهراً بالنسبة لهم وهو لفت الأنظار إلى خطورة الأغذية الصناعية، والدفاع عن الأغذية الطبيعية أو الصحية، وهو هدف مشروع في وقت لا تبالي فيه الرأسمالية العالمية بتسميم اللحوم، وتشكيل خطر حقيقي على الصحة العامة، ومن براهين ذلك عندهم قضية البقرة المجنونة وقضايا أخرى مشابهة، فالرأسماليون من شدة حرصهم على الربح بأسرع وقت ممكن وبأكبر قدر ممكن، لا يتورعون عن تقديم اللحوم المطحونة كغذاء للحيوانات بدلا من العلف النباتي!
وقد قال توماس فريدمان معلقاً على مظاهرات سياتل، كلمة يصح لمتظاهري (بوفيه) قولها، قال: "لقد كان لمظاهرات سياتل جانبها الأحمق، لكن ما أراد المحتجون الجادون طرحه هناك كان: "يا أميركا، إنك الآن تؤثرين على حياتي بشكل يفوق تأثير ما تفعله حكومتي. إنك تؤثرين علي بنفس أسلوب تغلغل ثقافتك في ثقافتي، وبنفس أسلوب تسريع تقنياتك لتغيير جميع مناحي حياتي، وبنفس الأسلوب الذي فرضته إجراءاتك الاقتصادية علي، إنني أريد أن أدلي برأيي في كيفية فرضك لقوتك، لأنها الآن باتت قوة تشكل حياتي".

عوداً على بدء، فما اتبعه (جوزيه بوفيه) استراتيجية، وبعض المناهضين للعولمة قد يلجأ إلى استراتيجية أخرى أشد، ومن هؤلاء أولئك الذين جعلوا برجي التجارة العالمية أثراً بعد عين.
ومنهم من يكتفي بمسيرات يحشد لها مئات الآلاف كتلك التي خرجت في بوليفيا عام ألفين بمناسبة خصخصة شركة المياه.
إن هذا الاعتراض العالمي على ما يسمى بالعولمة الأمريكية هو الذي حدا بتوماس فريدمان للتساؤل: لماذا لم تتهيأ الأمم عسكرياً ضد الولايات المتحدة؟
قال: "يجيب مايكل ماندلباوم، مؤلف كتاب "الأفكار التي غزت العالم" قائلا: "تطرح واحدة من أبرز مدارس العلاقات الدولية -مدرسة الواقعيين- أنه متى ما برزت قوة مهيمنة، كأميركا، في النظام العالمي، فإن دولا أخرى ستحشد جهودها بشكل طبيعي ضد هذه القوة. لكن ولأن العالم يدرك بشكل أساسي أن هيمنة أميركا (سلمية)، فان عملية التصدي لها لا تتخذ شكل العمليات الحربية. وبدلا من ذلك، تصبح مسعى لكبح جماحها، باللجوء إلى قواعد منظمة التجارة العالمية أو الأمم المتحدة -وبقيامها بذلك فإنها تطالب باستخدام حق النقض (الفيتو) في ما يتعلق بكيفية تفعيل قوة أميركا".
وهناك أيضا سبب آخر لرد الفعل غير العسكري وهو أن بروز أميركا كقوة مهولة حدث خلال عصر العولمة، حيث باتت الاقتصاديات متشابكة للغاية، إلى حد أن الصين وروسيا وفرنسا، أو أي تجمع منافس آخر لا يمكنه إلحاق الأذى بالولايات المتحدة بدون إصابة اقتصادياته بضرر ما.
ثم ذكر أن الناس الوحيدين الذين بإمكانهم إلحاق الضرر العسكري هم من ليست لهم أي مصالح مع النظام الدولي، ومثل بأسامة بن لادن.
وأضيف سبباً آخراً على ما ذكراه، وهو أن أصحاب القرار والنفوذ والأموال في العالم ليس من مصلحتهم حرب العولمة، وهؤلاء هم القطاع المؤثر الحقيقي بصورة مباشرة أو غير مباشرة في قرارات الدول.

فإذا كانت المعارضة للعولمة حدت بطرح هذا التساؤل، وهذه الآراء في الدول الغربية لكون الفارض والمسيطر دولة أخرى، فإن ما يسمى بدول العالم الثالث أشد معارضة لهذا النظام، والإسلامية والعربية منها على وجه الخصوص، فكيف تخضع هذه الأمم لغير الشرائع الإلهية أو الأحكام الدينية، ثم إن الدراسات الاقتصادية أو التجارية والإحصائية والاجتماعية المبنية على مصلحة مجتمع ما، ليس من العدالة فرضها على المجتمعات الأخرى.

العلاقة بين الاقتصاد الإسلامي والعولمة:
يتميز النظام الاقتصادي الإسلامي بميزتين متناقضتين، الأولى فيما يتعلق بتشريعاته وأحكامه، والثانية فيما يتعلق بالأجهزة التنفيذية وآلياتها، أما الأولى: فهي مُنَزّلة من لدن حكيم خبير، ولهذا جاءت تشريعاته الاقتصادية -كشأن سائر تشريعات وأحكام دين الإسلام- وسطاً بين النظام الاقتصادي الاشتراكي الشرقي المجحف، والنظام الرأس مالي الغربي الجشع.
فالإسلام يحث على العمل والكسب وفي الصحيحين: (إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من تذرهم عالة يتكففون الناس) ، ولكن جعل للكسب ضوابط تحكمه وفقاً لمصالح عامة وحكم عظيمة، فأحل الله البيع وحرم الربا، ونهى عن معاملات كالاحتكار، وأنواعٍ من البيوع المحرمة، وحض على أخرى كعقود الإرفاق التي تجاوز فيها عن أمور راعاها في عقود المعاوضة، ووضع شروطاً تؤثر في الحكم على العقود وتبين الصحيح من الفاسد.
ثم أوجب في المال المكتسب حقاً معلوماً للسائل والمحروم، وأيضاً ندب إلى إخراج جزء منه كصدقة، كل ذلك وفق ضوابط ومعاير محكمة دقيقة.
ولم يكتف الشارع في النظام الإسلامي بسن القوانين التي تنظم العملية الاقتصادية المجردة، بل سن كذلك التشريعات التي تحكم الأخلاقيات والصفات التي ينبغي أن يتحلى بها المتعاملون.
وقد بدأت البنوك العالمية في الاستفادة من نظرية البنك الإسلامي، والذي من صوره ما يعرف بالبنوك التساهمية، التي تقوم على أنواع من المضاربات وقد يتحمل فيها الزبون كلاً من الربح والخسارة مع الخضوع لمتغيرات السوق في تحديد معدلات الفائدة على رؤوس الأموال والودائع.

أما الميزة الثانية فهي عكس الأولى، وذلك فيما يتعلق بالأجهزة التنفيذية وآلياتها، فهذه تتميز -في العقود الأخيرة- بالعقم والقصور، على الرغم من وجود الموجهات التشريعية التي تحث على إتقان العمل والإعداد وحسن التفكير والسياسة والتدبير.
وما زال هذا القصور قائماً والتقصير متواصلاً حتى يومنا هذا على الرغم من إمكانية الاستفادة من وسائل التقنية العالمية، وربما كان السبب في هذا التأخر والقصور هو مشاكل الإدارة العامة والخاصة التي يعاني منها المجتمع المسلم في كافة مؤسساته على اختلاف مستوياتها اللهم إلاّ القليل النادر.
أما نظام العولمة الحالي فهو قائم على تحكيم النظام الاقتصادي الأمريكي الرأسمالي في العالم، وهو النظام الذي تعطبه سلبيات عدة، من أهمها عدم ضبط مسألة تضخيم الأرباح ولو كانت على حساب موت الآخرين جوعاً، فوفقاً لقوانين هذا النظام ليس هناك ما يمنع أن تلقي دولٌ الفائض من إنتاجها في البحر حتى تحافظ على سعر المنتج، بينما يموت آخرون بسبب فقده، كما أن النظام الاقتصادي العالمي الجديد تحكمه نوازع الشركات متعددة الخطريات العملاقة أو حتى الشركات المحلية منها.
كما أنه لا مجال فيه لتشريعات سمحة تنظر إلى ميسرة، أو تأخذ صدقة من أغنيائهم فتردها إلى فقرائهم، أو تبطل بيع ما لا نفع فيه، أو تمنع ما لم ينضبط جانب الغنم أو الغرم فيه، أو تفسد من المعاملات ما كان فيها جهالة أو غرر، أو تحرم سلعاً لمفسدتها فتمنع من التعامل بها ... إلى غير ذلك.
"ومما لا شك فيه أن السنوات العشرين الأخيرة شهدت تحولات ضخمة على الصعيد العالمي كله نتيجة لهذا النظام فأصبحت المؤسسات متعددة الخطرية المائة الكبرى في العالم تتحكم بـ 20% من إجمالي أموال العالم كما أن 51 % من أكبر قوة اقتصادية تسيطر عليها مؤسسات كبرى بينما لا تسيطر الحكومات سوى على الـ49 % الباقية فقط ويبدو في الإطار نفسه من المقارنة بأن مبيعات شركات (جنرال موتورز) و(فورد) مثلاً تفوق الناتج القومي الإجمالي لجميع دول جنوب الصحراء في القارة الأفريقية، وتتجاوز ممتلكات شركات (آي.بي.ام) و(بي.بي) و(جنرال إلكتريك) الإمكانيات الاقتصادية التي تمتلكها معظم البلدان الصغيرة في العالم، كذلك فإن دخل بعض محلات (السوبر ماركت) الأمريكية قد يزيد على دخل معظم دول وسط أوروبا وشرقها! بما فيها بولندا، والمجر ورومانيا ... الخ.
وللوصول إلى هذه المراحل دخلت المؤسسات الضخمة في شراكات مريبة من أجل تعزيز نفوذها المالي والاقتصادي، لتكون النتيجة بالتالي التحكم في كل ما يحتاجه الإنسان العادي حتى في أبسط حاجات حياته اليومية.
وهذا يسميه بعضهم بـ(الاستملاك الصامت)، أو قل بعبارة أدق (الاستعباد الصامت) حيث أصبحت الحكومات مغلولة الأيدي، والناس مقيدين بشروط تفرضها المؤسسات الكبرى التي تحدد قواعد اللعبة حسب مصالحها الذاتية والتي لا تملك الحكومات سوى تنفيذها، فهذه الحكومات غدت ترى أن من واجبها الأول تهيئة الظروف المواتية لازدهار المؤسسات المعنية وتوفير البنى الأساسية التي يحتاجها رجال الأعمال بأرخص التكلفة وحماية نظام التجارة الحرة في العالم.
وهذا ما سيضطر حكومات الدول النامية في نهاية المطاف للانصياع الكامل لشروط (اللوبي) الدولي" ، وهو ما أدى إلى ظهور تيارات احتجاجية قوية كالتي أشرنا إليها سابقاً، لا يربطها شيء ولا تجري في إطار حدود جغرافية معينة، فالمنادون بها لا تربطهم صلات ثقافية أو تاريخية مشتركة، فهم جماعات وجمعيات أهلية متنوعة يجمعها هدف واحد محوره استعادة الشعوب لحقها في الاختيار وفي تقرير مصيرها، وكلها يحذر من مغبة المضي في هذا الطريق الوعر الذي سيكون من نتيجته تكرار الكوارث الاقتصادية والاجتماعية في كافة أنحاء العالم.

ومن بعض ثمار هذا النظام دخول أكثر من 75 دولة القرن الحادي والعشرين، وهي خاضعةٌ كلياً أو جزئياً، لمشيئة البنك الدولي، مستسلمةً لإرادته، منفذةً لسياسته، وذلك تجنباً لإعلان عجزها وإفلاسها. وبموجب ذلك تلتزم هذه الدول بتوجيه اقتصادياتها نحو عدم النموّ، ونحو تخفيض الإنفاق، ونحو وقف الدعم لبعض المواد الاستهلاكية التي تقدمها لمساعدة شعوبها الفقيرة.
فلا عجب إن أثبتت دراسات الأمم المتحدة أن 12 مليون طفل تحت سن الخامسة، يموتون سنوياً نتيجة أمراض قابلة للشفاء. وهذا يعني أن كل يوم يموت 33 ألف طفل لأسباب يمكن تجنبها بما فيها سوء التغذية، وتشمل هذه الدراسة أطفالاً من العالم الإسلامي من بنغلاديش حتى موريتانيا، فحكوماتها تحت وطأة تضخم ديونها لا تستطيع توفير الحد الأدنى من الاحتياجات الطبية والوقائية.
ومن ثمار ذلك أيضاً أن ثلث سكان العالم يعيشون تحت خط الفقر، بينما تمتلك بعض المؤسسات والشركات ما لا تمتلكه دول مجتمعة!

وأخيراً وهو من الأهمية بمكان، النظام العالمي الاقتصادي نظام لا يخضع لأي تشريع إلهي، فما قضى به الرأسماليون هو التشريع الماضي سواءً خالف الوحي المنزل أو وافقه، فالدراسات الاقتصادية أو التجارية والإحصائية والاجتماعية والتي تمثل مصالح القطاع المالك هي التي تحكم، وليست النصوص والقوانين الإلهية المقدسة.

ولا شك أن نظام الإسلام هو النظام الجدير بأن يكون النظام العالمي البناء، والذي تعود مصلحته على جميع الشعوب سواءً أكانوا ضمن القطاع المالك المنتج، أو المستهلك المستخدم، وما يطلب من بني الإسلام ورواده، وخاصة أهل التخصص الاقتصادي والسياسي والإداري هو العمل على إيجاد آليات فعاله وأجهزة ومؤسسات تنفيذية، تتبناه وتبني اقتصاد دولها عليه، ومن ثم تبين محاسنه وتدعو الآخرين إليه، وعندها لن تستطيع الدكتاتوريات الوقوف أمامه إذا أقنعت الأمم به وتحولت الشعوب إليه، ووجدت فيه بديلاً لتلك المؤسسات الضخمة التي تحكمت في كل صغيرة وكبيرة من حياتها وكادت أن تملكها.

ثانياً: العولمة الثقافية.

الثقافة لفظ عام ولعل ما يهمنا هو مفهومها عند دعاة تصديرها وعولمتها، أو بتعبير أدق عند من يملك الآلة المادية لتصديرها وفرضها، فكلمة culture التي تترجم إلى العربية على أنها الثقافة والتهذيب وقد يعطونها أحياناً معنى الحضارة، هذه الكلمة جذرها cult ومعناها: عبادة ودين، ومن مشتقاتها cultivation ومعناها: تعهد، تهذيب، رعاية.
وعند النظر إلى اصطلاح الثقافة عند الغربيين نجد أن من عرفها لا يخرج كثيراً عن معناها اللغوي ورغم تباينهم في ضبطها بحد جامع مانع، إلاّ أنهم يتفقون على أهمية العقيدة ودور الدين في صنع الثقافة وتوجيه سلوك الإنسان .
وما تهدف إليه العولمة الثقافية هو إيجاد ثقافة عالمية، تعني بتوحيد القيم، حول المرأة والأسرة‏,‏ وجميع ما يمكن أن يندرج تحت لفظة (الثقافة)، فهي توحيد للثقافات بغير حدود، وآلة ذلك الإعلام بوسائله المختلفة، والاتصالات بقطاعاتها المتعددة. وهذه العولمة مبنية على سرعة انتشار المعلومات، وسهولة حركتها مع إمكانية الوصول إليها بغير رقيب أو حسيب.
ولا يكاد يؤيد العولمة الثقافية المطلقة في المجتمعات الإسلامية والعربية إلاّ بعض الحداثيين الذين لا يدينون بقضية ولا يعترفون بهوية، فهؤلاء لا تحمل العولمة عندهم أي تهديد ثقافي، بل تقدم فرصا لتجاوز نهائي وحاسم للخصوصيات المريضة، والموروثات الثقافية التي سيطرت على المجتمعات العربية في الحقبة الماضية. وهؤلاء شراذم قليلة في أغلب المجتمعات، وخاصة الإسلامية.
أما بالنسبة للآخرين، على تعدد مشاربهم القومية والدينية، فالعولمة تعني بالضرورة اختراق البنية الثقافية المحلية، وتفاقم مخاطر الاستلاب والغزو والاستعمار الثقافي، بل مخاطر محو الهوية ونزع الخصوصية الشخصية، التي ما زالت الأمم تضحي بالأرواح في سبيل الحفاظ عليها.
وإذا علمنا -استناداً إلى إحصاءات الأمم المتحدة- أنه قد اقتُلع أكثر من 75 مليون إنسان من بيوتهم في الربع الأخير من القرن العشرين بسبب الحروب والصراعات الدينية و الإِثنية والقبلية، فإنه لا يمكن أن نعلل ذلك بغير حرص الناس أياً كانت مشاربهم على الحفاظ على هويتهم وخصوصيتهم، ورفضهم تسلط أي أفكار أو ثقافة دخيلة على المجتمعات.
والناس إزاء رفض هذا النوع من العولمة طوائف تتعدد رؤاهم بحسب أفكارهم وهوياتهم منهم الساذج الذي يرفض العولمة الثقافية لأن ما جاءت عَبره من وسائل حديثة ومبتكرات عصرية سوف تقتل الحس الشعري والإبداع القريحي الفطري! وقد عبر عن ذلك بعض الأدباء المعاصرين ممن يشار إليهم بالبنان قائلاً: " مع قدوم القرن الواحد والعشرين، سيحمل الشعر حقائبه، ويسافر إلى جزيرة في عرض البحر. لا توجد فيها تكنولوجيا متقدمة. ولا أقمار صناعية. ولا تلفونات موبايل …ولا إنترنت"!
وآخرون يرون في قبولها جملة تغيير للدين، وقتل لكثير من حميد السلوك والأخلاق، وطيب الخصال والعادات، ودعوة تبيعة ذيلية للغرب.

والذي يتأمل واقع الناس اليوم يلحظ أن العالم يشهد تطوراً مطرداً في مجال الاتصالات والإعلام وسائر العلوم التجريبية المختلفة، وعلى الرغم من هذا التقدم المذهل، وعلى الرغم من دعاوى العولمة تظل نسبة المالكين لهذه المبتكرات محدودة جداً.
فالإحصائيات تفيد بأن حوالي: "15 بالمائة من سكان العالم يوفّرون تقريباً كلَّ الاِبتكارات التكنولوجية الحديثة، و50 بالمائة من سكان العالم قادرون على استيعاب هذه التكنولوجيا استهلاكاً أو إنتاجاً، و بقية سكان العالم، 35 بالمائة، يعيشون في حالة انقطاعٍ وعزلةٍ عن هذه التكنولوجيا" .
أما براءات الاختراع المسجلة فقد نبهت هيئة اليونسكو في تقريرها العلمي الأخير، إلى تدني نصيب الدول العربية من براءات الاختراع التكنولوجي على مستوى العالم، حيث بلغ نصيب أوربا من هذه البراءات 47.4%، وأمريكا الشمالية 33.4%، واليابان والدول الصناعية الجديدة 16.6% وبقي حوالي 2.6% يتنافس فيها العالم.

ولا يرى بطبيعة الحال دعاة العولمة أن من واجبهم أو واجب المؤسسات إشاعة المعرفة التي توصلت بها شركة أو مؤسسة إلى ابتكار ما أو اختراع، ولكن غاية ما هناك أن يستغل نفوذ الإعلام وتطوره المذهل في تصدير الدعاية لاستهلاك تلك المبتكرات العلمية، بالإضافة لثقافات أخرى تراها الشعوب المصدرة حريات تفخر بعرضها، وأفكار من واجبها الدعوة إليها، وكثير منها وسائل قصدوا بها تغيير فكر وثقافة الآخر وصهره في الفكر الحداثي الغربي.
وقد نسب الفرنسي (جيل كيبيل) الخبير في الشؤون الإسلامية والذي تحدث عن حتمية دخول العالم الإسلامي في الحداثة، وانصهار المسلمين في الديموقراطية، نسب الفضل في التحول المرتقب نحو العولمة إلى ثورة الاتصالات والمعلوماتية التي ستدخل فضائل الديموقراطية في وعي الأمم الإسلامية.

وإذا تأملت حال بعض الشعوب وجدت ذلك جلياً، فأي شعب من شعوب ما يسمى بالعالم الثالث أثرت فيه الثقافة الغربية المصدرة، فجعلت من شبابه رجالاً يحاكون (توماس أديسون) في المثابرة والتحصيل، أو يسيرون على خطى (آينشتاين) في البحث والتأصيل؟
كم عدد هؤلاء؟ وما نسبتهم إلى من يترسمون خطى (شوارزنجر) و(جيمس بوند) ويتابعون جديد أستاذ ثقافتهم (هوليود)!!
حتى غدا المثقف –للأسف- عند كثير من هؤلاء هو من يعرف أشهر الأفلام وأبطالها، والجاهل الأضحوكة من يخلط بين (بوب مارلي) و (مايكل جاكسون)!
بل أصبح المثقف في ذهن كثيرين هو الذي يعرف بعض مشاهير الغربيين من ممثلين وفانين ولاعبين وغيرهم من حثالة المجتمع، والأدوار التي قاموا بها، والبطولات التي حققوها! وعلامة الثقافة عندهم أن يذكر هؤلاء في كتاباته ومقالاته!
وهذا الفهم هو ما يريده الغربيون بعولمة الثقافة، فهم يريدون أن تطغى الثقافة الحداثية (الغربية) على كافة الثقافات، وقد صرح عدد من أعمدة الفكر الغربي المعاصرين مثل (فرنسيس فوكوياما) أن عولمة الثقافة لا تتأتى إلاّ بسيطرة ثقافة معينة على الثقافات المتعددة.
فليست العولمة الثقافية إذاً انتقالاً من ظاهرة الثقافة الوطنية والقومية إلى ثقافة عليا جديدة تسمى بالثقافة العالمية، بل هي اغتصاب ثقافي وعدواني رمزي على سائر الثقافات، وبخاصة ثقافتنا العربية والإسلامية‏.

ووفقاً لفرضية (فوكوياما) في (نهاية التاريخ و الإنسان الأخير) فإنه يرى أن الحداثة هي التي ستطغى وتظهر في المجتمعات الراديكالية، وأن مصير الراديكاليات إلى زوال وسقوط بما في ذلك الراديكالية الإسلامية التي لا يمكن أن تكون عالمية ، وهذا ما أيده العديد من خبرائهم المختصين، وقد سبقت الإشارة إلى كلمة (جيل كييبل). غير أنهم يرون سقوط جميع الراديكاليات حصل فعلياً بما فيها الشيوعية، غير أن الإسلام (الراديكالي) لا يزال يسبب إشكالات، ولكن حربه ومنعه من إقامة تحالفات مع الكونفوشستية الصينية، وقيام النظم العلمانية كفيل بحل النظام الإسلامي.

هذا ما زعموه، ومع أن حلهم المقترح هو الواقع الماثل فلا تحالف للإسلاميين مع ثقافات كونفوشسانية و لا غيرها، كما أن الحرب مستعرة على الإسلام، وكثير من دول المسلمين علمانية، لا يتجاوز حكم الإسلام فيها قانون الأحوال الشخصية. ومع ذلك (مشكلتهم!) لا تزال قائمة تزداد يوماً بعد يوم.
ومع أني لست أدري لماذا تعتبر العلمانية حلاً يمكن أن يجيء بالديمقراطية والليبرالية والثقافة التي يدعون إليها، مع أنها جاءت في الاتحاد السوفيتي –بعد سقوطه- بالشيوعية والاشتراكية مرة أخرى! وجاءت في بعض الدول بقوميات ما أنزل الله بها من سلطان!
ومع أن هذا الرفض للتبعية الغربية أو لمحاولات الاستنساخ لا ينفرد به أصحاب الاتجاهات الإسلامية وحدهم، وإنما هو موقف لكافة التيارات الوطنية والقومية المتباينة اللهم إلاّ ممسوخوا الهوية من الحداثيين، وهؤلاء لا يخالفون بقية القوى الوطنية، بل يخالفون العالم أجمع في سبيل موافقة الغرب.
ومع أن واقع الدول الإسلامية بعيد كل البعد عن تمثيل من ينعت بالأصولية الإسلامية! بخلاف بعض الدول الأخرى التي نجد للتيارات الأصولية دوراً فاعلاً فيها، فتنامي دور الأصولية المسيحية في الولايات المتحدة، واليهودية في إسرائيل، والهندوسية في الهند، لا يجوز غض الطرف عنه، فإن تأثيرها على القرار السياسي أصبح قوياً في تلك البلدان، كما أن تأثير الاشتراكية كان و لا يزال في دول أخرى، في حين أن ما يسمى بالأصولية الإسلامية مازالت خارج دائرتي، التمثيل الثقافي الرسمي، والقرار السياسي، بل هي قوى مطاردة في العالم العربي على الأقل .
مع كل هذا فإن هؤلاء (المفكرون!) يتصورن أن مشكلة المسلمين في النظام الإسلامي الجذري أو (الراديكالي) كما يقولون!
إن هذا التصور الخاطئ يمثل أول الإشكالات التي تكتنف العولمة.
والإشكال الثاني هو في إصرار الباحثين الغربيين على اعتبار التغريب معياراً وحيداً للحداثة، التي ينبغي أن يتبناها العالم ليصل إلى الرقي والتحضر.
والإشكال الثالث: هو اعتبارهم أن الحداثة هي الثقافة التي يجب أن تفرض على الجميع. وأخيراً الإشكال الكبير وهو عدم اكتشاف هؤلاء لما يعيشونه من وهم ومشاكل كبرى بسبب الشق الآخر من الحداثة. فالحداثة جزآن جزء يدعو إلى التطور والتقدم في مجالات العلوم التطبيقية وآلاتها، وجزء يدعو إلى التحلل والتفسخ من روابط و قوانين الأديان ومعتقداتها، وما يريدونه منا هو أن نأخذ الحداثة بجزئها الثاني ولا أظن أنه يعنيهم كثيراً أخذنا لجزئها الأول ولا أقول أو تركه، فهم لا يدعون إليه ولا يقدمونه، وإنما هو علم (باطن) لا يمكن أن يناله إلاّ من (اصطفوه) والأصل أنه محتكر ضمن أروقة المؤسسات الكبرى.
إن مشكلة الثقافة الإسلامية الحقيقية مع الغرب بل مشكلات الثقافات والحضارات الأخرى مع هؤلاء هي في رفضهم الاعتراف بشرعية النموذج الحضاري الذي يحاول أن يبني نفسه على نحو مستقل، يرفض تجارب الاستنساخ الغربية، فضلاً عن أن تكون لهم أذن يصغون بها لما يقدمه الآخر (غير الغربي)، أو عقول حاضرة تقيم ما يقول!
فخيارات دعاة العولمة الجديدة محدودة، إما أن تكون تبعاً، وإما تكون غيراً، وإذا كنت غيراً فأنت حضارة أخرى تجري عليك نظرية "صراع الحضارات" التي أعدت في الكابيتول هول وروج لها (صمويل هنتنجتون) في كتابه الشهير، وحلم بنتيجتها (فوكوياما) في نهاية التاريخ.
وأما مفكروا أهل الإسلام فهم على ثقة من أنه متى ما أصغت الآذان، وحضرت العقول، وأحضرت الحجج، فإن العالم لن يرضى بغير الإسلام بديلاً، فإن فيه ذكرى (لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد).
العلاقة بين الثقافة الإسلامية والعولمة:
إن الله هو رب العالمين، والدين الذي ارتضاه للعالم هو الإسلام (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) ، وقد بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، فأدى الرسول الكريم رسالة ربه، فخاطب العرب والعجم، بل دعا الثقلين، ثم أخبر من لا ينطق عن الهوى بأن دين هذه الأمة ظاهر، وأنه أكثر الأنبياء تبعاً.

فأمة الإسلام مبعوثة لتنقل ركناً ركيناً من أركان الثقافة إلى البشرية بل إلى العالم، فقد قال الله تعالى عن نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم: (وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلاّ ذكر وقرآن مبين  لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين) ومما قيل في معناها: "لينذر بهذا القرآن المبين كل حي على وجه الأرض" .
وقال سبحانه: (قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين  إن هو إلاّ ذكر للعالمين) ، (وما تسألهم عليه من أجر إن هو إلاّ ذكر للعالمين) ، ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) ، وقال سبحانه: ( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً) ، ( وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون) .
وفي حديث الصحيحين: (أعطيت خمساً لم يعطهن نبي قبلي) قال صلى الله عليه وسلم: (كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة) .
فاستجاب نبينا صلى الله عليه وسلم لأمر ربه وبدأ بدعوة قومه، فاستجابة له قلة وجمع من الضعفاء على استخفاء، أما الأقوياء والكبراء فقد فرحوا بما عندهم من العلم، (وقالوا نحن أكثر أموالاً وأولاداً وما نحن بمعذبين) فجاهروا بصريح العداء، وزعموا أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم معتقدات (راديكالية) بالية، لها جذور قديمة، لا أساس لها من الصحة (إن هذا إلاّ خلق الأولين) ، (وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً) .
ولكن سنة الله في الأمم تمضي فما هي إلاّ سنوات قلائل حتى تغيرت الحال، ومما امتن الله به على عباده المؤمنين: (واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون) .

وتنفيذاً لأمر الله لم يكتف صلى الله عليه وسلم، بدعوة من بدأ بهم من عشيرته الأقربين، فدعا قومه ثم سائر العرب، بل خاطب الأمم والشعوب ممثلة في عظمائها، وكان من ثمرات ذلك إسلام بعضهم كالنجاشي بأرض الحبشة، وإقامة جسور للدعوة بأرض مصر عن طريق الاتصال بمقوقسها، أماليهرى فمزق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم فمزق الله ملكه، وعظيم الروم آثر اتباع الهوى من بعد ما تبين له الحق.
ولأنه صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين لم يكتف بدعوة البشر بل دعا صلى الله عليه وسلم الجن أيضاً فانقسموا (فمن أسلم فأولئك تحروا رشداً) ، (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآناً عجباً  يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا) ، (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ  قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ  يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ  وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) .

وقد تكفل الله بنشر دعوة الإسلام، فعن ثوبان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن ملك أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها" ، فهذا وعد بقبول دعوة الإسلام وعالميتها، وفي حديث ابن عباس: خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: (عرضت علي الأمم فجعل يمر النبي معه الرجل والنبي معه الرجلان والنبي معه الرهط والنبي ليس معه أحد ورأيت سواداً كثيراً سدّ الأفق فرجوت أن يكون أمتي فقيل هذا موسى وقومه، ثم قيل لي انظر فرأيت سواداً كثيراً سدَّ الأفق، فقيل لي انظر هكذا وهكذا فرأيت سواداً كثيراً سدّ الأفق فقيل هؤلاء أمتك ومع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب) .

إن هذا الانتشار الواسع لأمة جاءت في ختام الأمم، لدليل يبين أن لديها من الخصائص والمميزات ما لا يوجد في سواها.
كما أن لسيادتها وظهورها في عصرها الأول عندما قام أهلها بها حق القيام، لدليل على صدق الوعد بظهورها في الآخرين على سائر الملل.
فإذا سرنا على نفس الطريق تحقق الوعد الإلهي بظهور هذه الدعوة وقبولها على نطاق واسع، وإذا تأخرنا تأخر، وبشائر الحاضر بحمد الله حاضرة شاهدة، فعجلة الدعوة رغم النكوص والعراقيل والحواجز والسدود لم تتوقف وإن تباطأت، فدعوة الإسلام –بحمد الله- في اطراد مستمر، والناس يدخلون في دين الله يوماً بعد يوم، رغم ضعف الآلة الإعلامية والمقومات المادية الأخرى.
ومتى رجع المسلمون لسابق عهدهم وترسموا خطى سلفهم، ازدادت قوة دعوتهم، وانتشرت ثقافتهم واكتسحت، كما ظهر الصدر الأول وعلا في سنوات قلائل.
ومن البشائر أيضاً أنه ليس ثمة مكان -بحمد الله- في أرض الله يخلو من مسلم، وهذا يدل على مواءمة دعوة الإسلام وثقافته لكافة المجتمعات، وعلاجها لظروف أي زمان ومكان، وليس هذا تنظيراً علمياً بل هو واقع عملي.
وليس معنى هذا أن دعوة الإسلام خاضعة للتشكل كالطين أو العجين، يلعب به الصبيان فيصورونه كيف شاءوا، ولكن المراد بيان أن في شريعة الله علاجاً لكافة أوضاع البشر أين كانوا وأيان وجدوا، وأن من تمسك بها فهو موعود بالحياة الطيبة، وكل المطلوب ممن أرادها هو أن ينهل من المعين الصافي الذي نهل منه الصدر الأول، دون أن يحاول تغيير مجراه، أو تحسين محتواه، فالذي وضعه عليم خبير، والذي أداه حريص أمين.
فالواجب أن نؤدي ما علينا من تبليغ دعوة الله، فنأخذ بالأسباب المادية ونضع الخطط والبرامج الاستراتيجية، والله قد كفل القبول والعالمية.

أما ما يرد إلينا من علوم وثقافات وافدة، فإن فيها حقاً وخيراً، وهذا يقبل ممن جاء به، كما أن فيها باطلاً وشراً، وهذا يرد على من جاء به، وهو غالب ما يرد، والمطلوب أن لا نخضع شريعتنا ونلويها حتى توافق ما وفد، وإنما نُحكِّمها فيما يرد، ونرضى بحكمها، ثم لا نجد حرجاً فيما قضت، ونوقن بأنه الخير والحق.
إن في سنة نبينا صلى الله عليه وسلم وفي عمل الصدر الأول تقرير لهذا المنهج، فقد نقل أهل السير لنا استفادته -صلى الله عليه وسلم- من ثقافة الفرس يوم حفر الخندق بمشورة سلمان الفارسي رضي الله عنه، وقد لبس -صلى الله عليه وسلم- جبة من صوف رومية، وعرف الإستبرق وأصله أعجمي، وأطلقوا على الجمال طويلة العنق ما كان يطلقه العجم فقالوا بختي و بختية، ورمى الصحابة بالمنجنيق وهي فارسية، واستعملوا سيوف الهند، وعرفوا الصولجان، و قرأوا المجال -مفرد مجلة- وهي وافدة، وأقر نبينا -صلى الله عليه وسلم- الدركلة ضرب من لعب الحبشة حتى جاء في الأثر: (خدوا يا بني أرفدة حتى يعلم اليهود والنصارى أن في ديننا فسحة) .
وبالمقابل نبذ الصدر الأول ثقافات وعادات وافدة، ومنها اللعب (بالإسبرنج) وهي الفرس التي في الشطرنج، وعرفوا الشطرنج وما فيه من بياذق أو بيادق وكلها فارسية، وجاء في الأثر: (من لعب بالنرد شير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه) ، وعرفوا لعبة السُّدُّر -نوع من القمار- وأنكروها، وعرفوا السمسرة من فارس وتكلموا فيها.
و لما قدم معا
avatar
عمر المختار
مدير المنتدى
مدير المنتدى

تاريخ التسجيل : 14/04/2010
الموقع : النجـم اللامـع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رسالة المسلم في حقبة العولمة  Empty رد: رسالة المسلم في حقبة العولمة

مُساهمة من طرف النووي السبت 22 يناير 2011 - 14:22

عمر المختار


جزاك الله خير
النووي
النووي
نائب المدير
نائب المدير

تاريخ التسجيل : 21/04/2010
الموقع : بلاد الحرمين

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رسالة المسلم في حقبة العولمة  Empty رد: رسالة المسلم في حقبة العولمة

مُساهمة من طرف وادي الذكرى الجمعة 18 مارس 2011 - 2:22

جزاك الله خير
وادي الذكرى
وادي الذكرى
عضو جديد
عضو جديد

تاريخ التسجيل : 06/01/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى